أضحية العيد على من تجب
تُعدّ الأضحية من الشعائر العظيمة التي تتعلق بالعيد الأكبر، عيد الأضحى، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام عند أداء فريضة الحج، وواجب للمسلمين القادرين في غير الحج. تُعرف الأضحية بأنها ذبح شاة أو بقرة أو ناقة أو غيرها من الحيوانات التي ذُكرت في الشريعة الإسلامية، تقربًا إلى الله تعالى، امتثالًا لسنة النبي إبراهيم عليه السلام، الذي امتثل لأمر ربه بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، إذ فداه الله بكبش عظيم.
تعريف الأضحية وأهميتها في الإسلام
الأضحية لغة تعني القربان والتقديم، أما شرعًا فهي ذبح ما شرعه الله من بهيمة الأنعام في أيام عيد الأضحى، وهو فعل عبادة يتقرب به المسلم إلى ربه تبركًا وطاعة له، وتأملًا في رحمة الله وكرمه، وتقديمًا للفقراء والمحتاجين من لحوم الأضاحي، ليعم الخير في المجتمع ويقوى روح التكافل الاجتماعي.
فالأضحية ليست مجرد ذبح للحيوان بل هي عبادة تشمل جوانب روحية واجتماعية واقتصادية، من تأكيد التوحيد والتسليم لأمر الله، إلى تأمين جزء من الغذاء للفقراء، وتحريك الدورة الاقتصادية عبر شراء الأنعام.
مشروعية الأضحية ومصادرها الشرعية
أمر الله عز وجل بالأضحية في كتابه الكريم، وجاء ذلك صريحًا في قوله تعالى:
﴿فصل لربك وانحر﴾ [الكوثر: 2]، أي بذبح الأنعام تقربًا لله، وجاء في السنة النبوية توثيقًا للأضحية، فقد ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله: «من كان له سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا» (رواه البخاري ومسلم)، وهذا يدل على أن الأضحية واجبة على من له القدرة المالية، لما فيها من تحقيق مقاصد الشريعة في التقرب إلى الله وإدخال الفرحة على المحتاجين.
على من تجب الأضحية
الأضحية واجبة على المسلم القادر الذي توفرت فيه الشروط التالية:
1. القدرة المالية (اليسار)
شرط أساسي لصحة وجوب الأضحية هو القدرة المالية، أي أن يمتلك المسلم ما يزيد على مصاريفه الأساسية واحتياجات عياله من المأكل والملبس والمسكن، بحيث يستطيع شراء أضحية دون تعسّر أو مشقة في الإنفاق على حاجاته الضرورية. وقد استُخدم مصطلح “اليسار” في الفقه للدلالة على توفر القدرة المالية للقيام بالأضحية.
2. الإسلام
تجب الأضحية على المسلمين فقط، لا على غيرهم من أهل الكتب أو غيرهم، لأنها عبادة خاصة بشريعة الإسلام، وهي أحد أركانه التعبدية.
3. بلوغ وقت الذبح
لا يجوز ذبح الأضحية إلا في وقت مخصوص، وهو من بعد صلاة يوم العيد وحتى آخر أيام التشريق (أي اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة)، أما ذبحها قبل ذلك فيكون غير صحيح، ولا يدخل في حكم الأضحية الشرعية.
4. الأهلية
أي أن يكون المسلم عاقلًا بالغًا، لا تجب الأضحية على الصبي الصغير أو المجنون لأنه لا مسؤول عن العبادات إلا إذا تولى وليه القيام بها عنه.
5. القصد والنية
ينبغي أن ينوي المسلم عند ذبح الأضحية التقرب إلى الله والامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكون الأضحية مجرد ذبح عادي للحيوان، بل عبادة مقصودة بقصد الإخلاص.
حالات تجب فيها الأضحية
يجمع علماء الفقه على أن الأضحية واجبة على المسلم الذي:
-
بلغ سن التكليف.
-
لديه ما يسد به حاجته وحاجة عائلته.
-
يستطيع شراء أضحية من بهيمة الأنعام المذكوٰة شرعًا.
وهذا القول ينطبق على الرجل والمرأة، والعبد والمحرر، لكن قد تخفف هذه الوجوب إذا تعذر الذبح أو لم تتوفر سعة مالية.
ضوابط اختيار الأضحية
شرط صحة الأضحية وحكمها يتوقف على أن تكون مما تجب الأضحية به من الحيوانات، وهي:
-
الإبل
-
البقر
-
الغنم (الماعز أو الضأن)
وهذه الحيوانات تختلف في شروطها وحكمها من حيث السن والمواصفات، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب التي تبطل الأضحية، مثل العمى الكامل، أو العرج الشديد، أو الجذام، أو الفساد.
سن الأضحية
يجب أن يبلغ السن المحدد لكل نوع من هذه الأنعام لتكون الأضحية صحيحة، على النحو التالي:
| نوع الأضحية | السن الأدنى المسموح به |
|---|---|
| الإبل | 5 سنوات |
| البقر | سنتان |
| الغنم | سنة واحدة |
إذا لم تبلغ الأضحية السن المحدد، فلا تصح، ولا تجزئ.
حكم الأضحية من الناحية الفقهية
في مذهب الإمام الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، يعتبر الأضحية واجبة على القادر، وهو قول الجمهور، بينما ذهب بعض العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهذا يعتمد على التعريف الفقهي للقدرة واليسر، وعلى التفسير الشرعي للأحاديث المتعلقة.
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الأضحية بقوله: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصدقة في سبيل الله ترفع البلاء، والأضحية تذبح عنك يوم القيامة» (رواه الترمذي).
أضحية الحاج
الأضحية تجب أيضًا على من كان حاجًا في موسم الحج، حيث يشترط أداء الحج المبرور، ومن شروط الحج أن يذبح الحاج أضحيته في مكة، وهذا ما يميز أضحية الحاج عن غير الحاج، حيث أن أضحية الحاج تُعد ركنًا من أركان الحج.
وقد بيّن الفقهاء أن أضحية الحاج لا تسقط عنه إلا بمرض أو عجز يمنعه من الذبح، وكذلك العجز المالي، إذ لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها.
أضحية غير الحاج
أما المسلم الذي لا يذهب للحج، فتجب عليه الأضحية إذا توفرت فيه شروط القدرة، ويجوز له شراء أضحية وإرسالها إلى أماكن الحاجة سواء في بلده أو خارجها، وهذا ما يُعرف بالأضحية عن بُعد، وهو جائز شرعًا وثبت في السنة النبوية وأحاديث الصحابة.
حكم من لم يضحِ مع قدرته
يؤكد الإسلام على وجوب الأضحية على القادر، وقد ورد تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يضحِ وهو قادر، كما في الحديث المذكور سابقًا، ومن تركها دون عذر شرعي كفر أو يُعد مقصرًا في حق الله.
وقد قيل في بعض المذاهب أنها تجب على من له سعة، وفي حال تركها بلا عذر فقد يكون عليه كفارة أو تعويض حسب اجتهادات العلماء.
أضحية المرأة
تجوز للمرأة أن تذبح أضحية بنفسها أو أن تنيب عنها أحدًا، وهي تجب عليها مثل الرجل إذا توافرت فيها شروط اليسر والقدرة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فالعبادة تساوي بين الجميع.
كيفية تقسيم لحوم الأضحية
شرعًا، تقسم لحوم الأضحية إلى ثلاثة أجزاء:
-
جزء يهدى إلى الأقارب والأصدقاء.
-
جزء يؤكل في البيت.
-
جزء يُتصدق به للفقراء والمحتاجين.
وهذا التقسيم يعكس روح التكافل الاجتماعي، ويحقق المصلحة العامة في المجتمع.
الجدول التالي يوضح تقسيم اللحم ونسبته:
| نوع التقسيم | النسبة التقديرية من اللحم |
|---|---|
| للأهل والأقارب | 1/3 |
| للأكل داخل المنزل | 1/3 |
| للفقراء والمحتاجين | 1/3 |
هذا التوزيع يختلف من مجتمع لآخر وفق العادات، لكنه يظل في إطار المشروع الشرعي.
أضحية العيد كعبادة اجتماعية
تعتبر الأضحية من الشعائر التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم البعض، فهي تعبير عن التضامن والمودة بين الأغنياء والفقراء، وتذكير دائم بأهمية التعاون والتكافل. إذ يسعد الفقراء ويتقرب الأغنياء إلى الله بفعل الخير، ويُشعر الجميع بمعاني العطاء والرحمة.
أثر الأضحية في الاقتصاد
تؤثر الأضحية بشكل واضح في الاقتصاد المحلي، حيث تزيد حركة بيع وشراء الأنعام وتُعزز من نشاطات الفلاحين والتجار، كما تخلق فرص عمل مؤقتة في مجالات القص والذبح والنقل والتوزيع، فتساهم بذلك في تحريك عجلة الاقتصاد في موسم محدد.
الخلاصة
الأضحية عبادة عظيمة فرضها الإسلام على المسلمين القادرين في أيام العيد، تكريماً لسنة النبي إبراهيم عليه السلام، ومظهرًا من مظاهر الإيمان والطاعة والرحمة. تجب على المسلم القادر الميسور مالياً، وتكون من الأنعام المخصصة لذلك، مع الالتزام بشروط السن والبدن الصحيح. تحمل الأضحية في ذاتها معاني روحية عظيمة، وتساهم في بناء مجتمع متماسك قائم على التكافل والرحمة والعدالة الاجتماعية، كما تؤثر إيجابيًا في الاقتصاد المجتمعي.
المراجع
-
تفسير ابن كثير.
-
الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي.
